اصنع قائداً تكـنْ قائداً
القيـادةُ بين التنظير والتطبيق
- في خضمّ التنافسيّة التي تواجُهها القطاعات العامّة والخاصّة وحتّى التطوّعية، والتحدّيات الكبيرة الداخليّةً منها والخارجيّة، أصبحت الحاجة ماسّة في تبنّي استراتيجيّات ومنهجيات من شأنها مواكبة تلك التنافسية، ومنها إنشاء إدارة مختصّة تسمّى بإدارة الموارد البشرية بجميع تخصصاتها حسب حجم المنشأةِ و طبيعةِ عملها، حيثُ تكمنُ مهمّتها ليس في التوظيف وشئون الموظفين، بلْ يتعدى ذلكَ إلى تدريب و تطوير مدراء الإدارات و رؤساء الأقسام و الوحدات و اكسابهمْ بالمهارات القيادية لإستثمار العنصر البشري مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف الثقافي بين الأجيال و تجسير الفجوات متى ما وجدت. بجانبِ المحافظة على المواهب البشرية وإدارتها كونها حجر الزاوية، والعمود الفقري لنجاح واستمراريّة وتطوّر أيّ منشأة.
- لقدْ عُرّفت القيادة بتعاريف عدّة، فقد عرّفها (الخفاف، 2007) بأنّها “عملية التأثير على جماعة في موقف معيّن، ووقت معيّن، وظروف معيّنة لاسترشاد الأفراد ودفعهم للسعي برغبة لتحقيق أهداف المنظّمة مانحةً إيّاهم خبرة للمساعدة في تحقيق أهداف مشتركة“.
كما عرّفها كنعان (2009)، بأنّها “عملية التأثير في نشاطات الأفراد وسلوكهم من أجل تحقيق أهداف معيّنة. أمّا (النمر، وفتحي، 1994) فقد عرّفاها بأنّها “فنّ التأثيرعلى الآخرين لتحقيق أهداف الإدارة، تشمل النشاط الذي يمارسه شخص للتأثير على الناس وجعلهم يتعاونون لتحقيق هدف يرغبون في تحقيقه. من هنا، فإنَّ القيادةَ عبارة عنْ مجموعة من السلوكيات التي يتّصف بها القائد تتمركزُ بالتأثير في الآخرين، وتوجيه سلوكهم، وشحذ هممهم لتحقيق أهداف تنظيميّةٍ مشتركة.
- هذهِ التعريفات وغيرها، نرى الإسلام قد سبقَ هذهِ العلوم الإداريّة معرفةً وتطبيقاً، فقدْ أكّد عليها ديننا الحنيف كضرورة اجتماعيّة، فقد صحّ عن نبيّنا محمّدٍ صلواتُ ربّي وسلامهُ عليهِ في الحديث الذي أخرجه أبو داوود أنّه قال “إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم”، قال الخطابي في معالم السنن: (إنّما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعاً، ولا يتفرّق بهم الرّأي ولا يقعُ بينهم الاختلاف).
- أمّا إذا ما انتقلنا من الجانب التنظيري إلى الجانب التطبيقي، فإنّنا نرى هناك تباين في تطبيق منهجيّة القيادة في إدارات المنشآت، فالبعض منها اتخذها منهجاً في تحقيق أهدافه ورؤيته المؤسسية، في حين أنّ البعض الآخر ما زال يزاول الإدارة التقليدية. فلستُ أقصُد هنا، هو امتلاكُ قادةً إداريين فقط، وإنّما هو سلوكٌ يطبقه أولئك القادة تطبيقاً عملياً للقيادة المؤسسية
والإداريّة في قيادة العنصر البشري وتوجيههم، وتفويض بعض الأعمال والصلاحيّات حسب قدراتهم، وجعلهم شركاء في صناعة الأهداف واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى تحفيزهم باستثارةِ دوافعهم لزيادةِ انتاجيّتهم، وتقليل نسبة التسرّب الوظيفي Employee Attrition بين الموظفين ولتحقيق رؤية ورسالة تلكَ المنشآت.
- إنّني أؤمنُ بأنّهُ متى ما أردت أن تكونَ قائداً، فاصنعْ قائداً، لذا ومن وجهةِ نظري الشخصيّة بأنّه يتحتّمُ على الإدارات العليا في المؤسسات العمل جنباً إلى جنب مع إدارة الموارد البشريّة لتفعيل التدوير الوظيفي Job Rotation للمواهب سواءً داخلَ أقسام الإدارات، أو خارج أسوار الإدارات لاكتساب مهاراتٍ وخبراتٍ وظيفيّةٍ و قياديّةٍ جديدة، وفي نفس السياق تطبيق منهجيّة التعاقب الوظيفي Succession Plan للكوادر البشريّة المتميّزة ،فذاكَ ممّا يضْمنُ صناعةَ صفٍّ ثانٍ من القيادات الشابة تشاركُ وتساهمُ في دفع عجلةِ التطوّر والبناء وتحقيق الرّؤى في بلداننا. أخيراً وليسَ آخراً، هل نحنُ ممّن يستثمرونَ في العنصر البشري ويرسمون خارطة صناعةَ القادة الشبابيّة؟ أتمنّى أنْ يكونَ ذلكَ كذلك.