{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ }
أ/ محمـد الجلمـود الغـامدي (مهتم بالمبادئ والقيم)
قيـادة وقيـم
{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ }
- ترتكز القيادة على صفتين أساسيتين؛ فالقائد لا بد أن يكون قوياً وأميناً في ذات الوقت، وفي ذلك حالتين: القائد القوي بدون أمانة يصبح قائداً متسلطاً مستبداً، والقائد الأمين بدون قوة يصبح ضعيفاً هزيلاً يتسلط عليه من داخل دائرته من يستغل ضعفه ويتصرف دون علمه.
- فالقوة -فيما سبق- لا تعني البدنية فحسب بالرغم من أهميتها في القيادة، إلا أن القوة المعنوية أهم منها بكثير؛ فالقوة -من وجة نظري- تعني أن يكون الشخص ذا إرادة وعزيمة على صنع قرار، وإيجاد الوسائل أو استخدام المتاح منها وسلك السبل التي تمكنه من تنفيذه، القوة أيضاً تقتضي الصبر، والتروي، والحلم فلا يغضب، والأناة فلا يستعجل، ويأخذ الأمور على ظواهرها.
القوة في القيادة تقتضي المشاركة الميدانية، والنزول لساحة العمل، ومعرفة كل التفاصيل حتى إذا شرع القائد في اتخاذ قراره يكون على علم ومعرفة، فابنتا شعيب لم يقلن لأبيهن عن موسى عليه السلام:{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ } إلا بعد أن نزل الميدان، وأزاح الصخرة من على فوهة البئر، وشارك في السقي.
ومن المهم جداً أن يفطن القائد للتغذية الراجعة من العاملين في الميدان فعلى ضوئها تتخذ القرارات الأكثر صواباً، والأبلغ أثراً، والأسرع استجابةً، والأطول أمداً.
- والأمانة لا تعني فقط المحافظة على الأسرار كما يبدو معناها من أول وهلة، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فالأمانة تقتضي أن يكون القائد صاحب دين، ومبادئ، وقيم، وخلق، واستقامة، ومصداقية، وتواضع، وسعة بال، ورحابة صدر، ومن مقتضيات الأمانة: أن يمتلك من المهارات ما يؤهله لتحمل مسؤولياته والوصول بها إلى بر الأمان. وأن يكون صاحب ذكاء عاطفي واجتماعي عالي المستوى؛ حتى يتسنى له التعامل مع احتياجات رعيته على اختلاف توجهاتهم ومستوياتهم وأفهامهم، ويكون ذلك على ثلاث مستويات مع من هم أعلى منه سلطة ومكانة، ومع من هم في نفس مستواه “الأنداد” ومع من هم أقل منه وظيفيا، فمن الأمانة أن يتعامل مع كل هؤلاء وينزلهم منازلهم حتى يتمكن من إتمام مهامه، فيستشيرهم عند حاجته إليهم، فيسمعون منه ويسمع منهم، ويتعاطف مع العاملين تحت قيادته تقديراً لظروفهم، ويمد لهم يد العون والمساعدة حتى يكسب ثقة الجميع وينال رضاهم؛ فكسب ثقة الموظفين والعاملين في دائرته لا شك أنه أحد مقومات نجاحه كقائد.
خلاصة الحديث أن القوة والأمانة لا يمكن الفصل بينهما وهما من سمات القائد الناجح، فلو نظرنا للقادة الناجحين الذين قادوا مجتمعاتهم أو شركاتهم ومؤسساتهم عبر التاريخ لوجدنا أن “القوة والأمانة” من أبرز صفاتهم كقادة، وفي المقابل لو نظرنا أيضاً عبر التاريخ لوجدنا أن الفاشلين إما أنهم كانوا أقوياء بدون أمانة أو أنهم أمناء بدون قوة، فما اجتمعت هاتان الصفتان في شخص إلا كان النجاح حليفه حتى على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات الصغيرة فضلاً عن المجتمعات الكبيرة كالأمم.
فإذا توفرت هذه المفاهيم في شخص ما؛ حتى لو كان خارج أُطر القيادة فإنه سيكون جديراً بتولي مناصب قيادية “بقوة وأمانة”.
وقد ورد في الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر: “يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأمَّرنّ على اثنين، ولا تَولَّينَّ مال يتيم”
والحديث يدل على أن أبا ذر -رضي الله عنه- كان أميناً ولكن كان ضعيفاً، وغير صالح للقيادة.
القوة والأمانة يشبهان جناحي طائر لايمكنه الطيران والتحليق عالياً إلا بهما.