القـائـد ..
عندما يصنع الأمل
• في إحدى ليالي صيف 2009م، وفي إمارة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة كان اخي ورفيق دربي الأستاذ / ناصر الجسمي يعكف على دراسة إحدى المشاريع في شركته الخاصة إلى وقت متأخر، توقف قليلاً وذهب إلى ليُعد له كوب من القهوة تعينه على تكملة دراسة مشاريعه، وتفاجأ بوجود (حارس) عامل الشاي او (Tea boy) كما يطلق عيه مجازياً.
ناصر: اهلاً حارس لماذا انت موجود إلى هذا الوقت
حارس: انتظر مغادرتك سيدي
ناصر: شكراً لك.. وإذا ممكن احتاج كوب من القهوة الآن
حارس: بالطبع وخلال 5دقائق سيكون على مكتبك
واثناء التفاف ناصر للخروج والعودة إلى المكتب توقف قليلاً عند مدخل المطبخ حيث لمح خلف الباب بعض اللوحات، ليقوم ناصر بسحبها وفتحها مباشرة وتعجب مما رأى، رسومات احترافية تسر النظر وتأسر النفوس كانت ثلاثة لوحات تضمن صوراً لسمو الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله وسمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله والثلاثة كانت لناصر ولكنها رُسمت كما ذكرت بطريقة مختلفة متقنة رغم انها كانت أنجزت بطريقة تقليدية او يدوية.
ناصر: حارس ! من قام برسم هذه اللوحات؟
حارس: انا سيدي
ناصر: هل انت مهتم جداً بالتصميم؟
حارس: نعم سيدي انني أحب التصميم جداً
• سرَح ناصر طويلاً في عيني حارس التي لمَعت في إشارة على رضاه بإطراء الرئيس التنفيذي للشركة وهو أمر يدعو بكل تأكيد للفرح..
طلب ناصر من حارس ان يحضر له القهوة، وعاد إلى مكتبه وهو يفكر بمشروع كبير جداً قد يُحدث الفرق!
وبعد عدة أيام طلب ناصر من حارس الحضور إلى مكتبه وأبلغه، بقرار جديد وهي منح حارس دورة تدريبية في إمارة دبي لمدة 3 شهور ستتكفل بها الشركة بالكامل وكل الذي أرجوه ان تعود ولديك رؤية ومهارة وطريقة مختلفة في علم التصميم.
لم يصدّق حارس ما يحدث ولا يعلم هل هو يعيش الحقيقة أم هو خيال عابر سيزول قريباً، ولكن خطاب الاعتماد الذي وصله بشكل رسمي بتأكيد حضوره إلى الدورة قطع الشك باليقين وأكد أنه وضع قدمه على اول درجات سلّم المجد!!
عاد حارس المصمّم بطريقة عمل واسلوب مختلف ومتطور، سبق ذلك حصوله على مركز متقدم في بين المتدربين في البرنامج مما يعني ان الشغف الذي لديه كان عالياً جداً، وبدأ في كتابة تاريخه من جديد كمصمّم مبتكر ومتخصص في مجاله، ولم يتوقف العطاء عند التفوق الذي حققه حارس في البرنامج التدريبي بل تفوق أيضاً على اقرانه المصممين حيث دخل في قائمة افضل 20 مصمم في المنطقة خلال فترة 8 شهور فقط.
* تحوّل اخر ايضاً في قصة (حارس)
في تلك فترة كنت أقوم في الفرع السعودي للشركة بتنظيم مؤتمر دولي، فطلبت من اخي ناصر انتداب حارس للسعودية لإعداد بعض التصاميم الخاصة بالمؤتمر لمدة 6 شهور .. منحنى جديد في قصة نجاح حارس الذي بدأ ينثر ابداعه إقليمياً، حضر حارس وفرض اسلوباً مختلفاً ومبتكر في عالم التصميم اثار به إعجاب جميع عملائنا وتخيل عزيزي القارئ أن بعضهم أي العملاء وضعوا التعاون مع حارس في التصميم كشرط اساسي لتوقيع العقود معهم !
التغيير الذي احدثه ناصر في حياة حارس لم يكن ابداً بالأمر العادي، ولنعد مرة أخرى إلى بداية القصة وتحديداً عندما شاهد ناصر الرسومات .. عندها كان يمكنه كمسئول أن يتخذ عدداً من المواقف المختلفة مثل ان يقول انا أحضرتك إلى هنا وأدفع لك الراتب يا حارس لكي تصنع الشاي والقهوة وليس لكي تضيّع الوقت في الرسم .. موقف وارد جداً ويحدث من بعض المسئولين وبلا شك سيتسبب بصدمة كبيرة لحارس وينتهي كل شيء في حينه ..
وكان يمكن لناصر أن يبدي إعجاب اقرب للطبيعي في الرسومات وبنفس الوقت يطلب منه أن يحضر الشاي والقهوة كالعادة وهنا سيكون موقف الطف بقليل من السابق أو على الأقل كان يلفّه الذوق من خلال إطراء جميل حتى إن كان على سبيل المجاملة ..
والموقف الثالث والأخير وربما يكون احدى متطلبات القائد أن يبدي ناصر صادق إعجابه بصنيع حارس بل ويصرّ ان يستمر حارس في تطوير موهبه .. وهنا من الممكن جداً ان يشكّل حديث ناصر دفعة معنوية عالية خاصة على الصعيد النفسي وبكل تأكيد سيعيش معها حارس عدداً من الأيام في سعادة عالية.
• ولكن عندما نتحدث عن مبادرة ناصر فالامر مختلف تماماً لأنه أحدث تغييراً كبيراً جداً ليس فقط في حياة حارس وليس لدى زوجته وأبناءه ووالديه وأخوته بل ربما اتسعت دائرة التأثير إلى عشيرته وهم جميعاً ودّعوا حارس في سفره إلى الخليج لكي يصنع الشاي والقهوة ولكنه عاد وهو نجم كبير وصاحب تأثير مختلف على بعض أصحاب الشركات العملاقة وليس فقط في بلد واحد وهذا يعني أنه أيضاً صنع التاريخ لحارس الذي سيتحدث عنه احفاده بكل فخر، حيث الطريق والطريقة اختلفا تماماً !
همسة أخيرة : لكل قائد ابحث عن حارس في أفراد فريقك !