القيادة الخادمة أو الخدمية هي: نمط قيادي قائم على فلسفة وممارسات يقوم بها القائد الفرد لخدمة منسوبي منظمته، بإعطائهمأولويته من خلال التواصل معهم ورعايتهم وتقديم الخدمة لهم ومعرفة احتياجاتهم الوظيفية والتدريبية والاجتماعية، ومساعدتهم على التطور والعمل على بناء علاقات قوية وآمنة بينه وبينهم، والتزامه بالسلوكيات الأخلاقية التي تحقق أهدافهم، دون البحث عن السلطة أو التفرّد بالآراء أو القرارات، وتوجيههم نحو تحقيق رؤية ورسالة وأهداف المنظمة، وتسهيل نجاحهم في تحقيق هذه المتطلبات.
وهؤلاء القادة الذين يميلون للقيادة بالخدمة تنبع هذه الممارسات لديهم من رغبتهم الشخصية وكذلك الوظيفية في الخدمة بفعالية أكبر لزملائهم، ومن إحساسهم بقيمة موقعهم الوظيفي والإنساني، ومن نظرتهم الثاقبة في احتواء وانتماء الموظف لمنظمته،وخلق بيئة آمنة يشعر فيها جميع الناس بالتقدير والاحترام؛ لأنّالإنجاز يأتي مع العمل الجماعي، والتركيز على تطوير العلاقات مع أعضاء الفريق، بدلاً من التركيز على تحقيق الأهداف الفردية، فتزداد الثقة والولاء بين القائد وأتباعه، ويظهر الإبداع والابتكار وتزداد الإنتاجية، فتخلق القيادة الخادمة فِرَقَ عمل رائعة وخلاقة، لديها الحافز لتكون أفضل مما هي عليه عند القيادة التقليدية.
وتتحقق للقيادة الخادمة ببعض المميزات عند تطبيقها من القائد وأتباعه تتمثل في: أنّ الفائدة المتحققة من هذا النمط للجميع، فيتبادل الأتباع مع قائدهم خدمة بعضهم بعضًا، وكذلك خدمة منظمتهم، والتعاطف العملي والمشاعري فيما بينهم في الإنجاز، وتكون نتائج خدمتهم أفضل للمستفيدين منهم، وتكون فرصة لهم للتطوّر والنمو الشخصي والمهني دون مضايقات أو مناكفات فيما بينهم، ومعرفة كلٍّ منهم لنقاط قوته وضعفه، ووصولهم جميعًا للأهداف المشتركة التي رسموها، فتكون لديهم القدرات والمهارات على التفكير فيما وراء العمليات اليومية قصيرة المدى، والتركيز على الأهداف والرؤية طويلة المدى للمنظمة.
والقيادة الخادمة لا ينبغي النظر إليها على أنها نموذج لقائد ضعيف يتنازل عن مركز سلطته، فالقائد الواعي والخبير يعرف ما يناسب منظمته ومهارات موظفيه، لأن النهج المتوازن الذي يستخدمه القائد هنا قد يستغرق وقتًا أطول للوصول للموازنة بين احتياجات فريقه وإنجازات منظمته، فهو يتحلى بالحكمة والمسؤولية التنظيمية ولديه من القيم الوظيفية والشخصية التي تجعله يحقق خططه العملية، فالقائد يهتم بإعداد قادة وليس أتباعًا، ولا ينظر على أنها سيطرة من الموظفين على قائدهم فهم أصبحوا أقوياء في ظل ضعفه، فهؤلاء الموظفون قد تم غرس هذه الثقافة لديهم فأصبحوا واعين لما يقومون به من مشاركة وتمكين لمهاراتهم في العمل وأدائهما بكفاءة وفاعلية، فالجميع هنا لم يعد يركّز على (الأنا)، ولا يبحث عن الأضواء الشخصية، فانتقلوا مع قائدهم من عقلية معرفة كل شيء إلى تعلّم كل شيء.
والشواهد على قيمة عملنا على القيادة الخادمة لها أصول تنبع من مصادر ربانية ونبوية ومكارم عربية أصيلة، مثل قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا* قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾الكهف: 94-96
وفي الحديث الشريف قال المصطفى r: “المؤمِنُ يأْلَفُ ويُؤْلَفُ،ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَف ولا يُؤْلَفُ، وخيرُهُمْ أنفعُهُمْ لِلنَّاسِ” رواه أحمد في مسنده.
ولعل أشهر قادة في عصورنا الحديثة قاموا بتطبيق القيادة الخادمة وتسموا بها وافتخروا بذلك أمام العالم كله هم ملوك المملكة العربية السعودية حين لقبوا أنفسهم (خادم الحرمين الشريفين) في أعظم مسمى لأعظم خدمة وأشرف مكانين على وجه الأرض وهما (الحرمان الشريفان)، فقد نذروا أنفسهم لخدمة المكان والزمان والحجاج والمعتمرين والزوار.
المستشار الإداري والتدريبي
أ/ حمد الدوسري
Twitter:@hmmdosar