لكل قيادي يبني وطنا ويصنع أثرا
أخر المقالات

القـائـد ومهـارة التفويـض

د/ فيصل بن عبدالله السويدي (أكاديمي متخصص في القيادة والجودة والتميز المؤسسي

0

القائد ومهارة التفويض  

      يقول كوزيس و بوزنر “القيادة لا تتعلق بك فقط بل تتجاوز ذلك نحو مساعدة الأخرين الى إدراك قيمهم ورؤيتهم فنجاحك كقائد يرتبط من دون انفصام  في كيفية نجاحك في صناعة الأخرين ليكونوا قادة المستقبل “ إن هذه المقولة استحالة ان تتحقق دون أن يفوض القائد صلاحياته لأحد المرؤوسين من أجل التغيير، و التحسين وتأصيل الولاء للمنظمة و ليس من أجل التنصل من المسؤولية، والهروب من الفشل . فعملية التفويض تحمل معاني سامية تتلخص في المشاركة لصناعة القرار، و الإسهام في الارتقاء بالفكر القيادي في المنظمة، ويقلل من نسب تسرب الكفاءات كما يمنح التفويض القادة التفرغ لاستشراف المستقبل وبناء الخطط الاستراتيجية و التشغيلية التي تحقق الابتكار و تجويد الأداء بشكل عام . يرى ماكس دبري إن براعة القيادة تكمن في التركيز على القضايا المصيرية للمنظمة وتفويض المرؤوسين  إدارة شؤون القضايا المتعلقة بدائرة مسؤولياتهم.

كما أن التفويض يحقق الرضا الوظيفي للموظفين والانتماء للمنظمة، و ينمي روح القيادة لديهم، واختيار الأنسب منهم ليكون هم قادة المرحلة القادمة. إن عملية التفويض القيادي إذا طبق بشكل مهني وفعال سيخلق كوكبة من القيادات المتميزة من الصف الثاني داخل المنظمة .ويكفي من التفويض  ميزة أنك تزرع الثقة في نفوس المرؤوسين ليؤمنوا بمهاراتهم و خبراتهم وهذه أكد عليها جون ماكسويل (إن المقوم الرئيس لتفويض السلطة للأخرين هو الإيمان الشديد بالناس إذا كنت تؤمن بقدرات الأخرين فإنهم سيؤمنون بأنفسهم ) فالقائد مهما بلغت خبرته وحنكته في عالم القيادة تبقى قدراته محدودة في إدارة المنظمة بكفاءة لا سيما إن كانت المنظمة واسعة الأعمال كثيرة الموظفين و معقدة الهيكلة، فنجاح المنظمة لا يناط بالقائد وحده بل لابد من إشتراك كافة المواهب، و الكفاءات المتعددة التي تلتقي جميعاً في بوتقة وحدة لتخلق بيئة وظيفية جاذبة خلاقة فهي أشبه ما تكون بفريق كورة قدم يتجلى الإبداع فيه عبر العمل الجماعي المتنوع في مواهبه و المشترك في أهدافه.

رغم تلك الإيجابيات التفويض في علم القيادة  التي خرجت بها كثير من الدراسات علمية إلا أن هناك أوهاماً تساور عقول بعض القيادات لتجعل من التفويض بعيد المنال وهي :

فقدان المنصب :

يشعر بعض القادة قليلي الخبرة أن تفويض السلطة يهدد بفقدان مناصبهم ،و الاستغناء عنهم حينما يتولى المرؤوس المهام و ينجح في أدائها بكل احتراف فهذا الشعور السلبي يجعل منه قائداً مستبداَ مركزياً يتولى شؤون كل صغيرة وكبيرة في المنظمة ويؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاك القائد بدنياً و جسدياً و انشغاله التام عن المهام المصيرية و القضايا الجوهرية للمنظمة ففي هذه الحالة يقدم المفكر ماكسويل حلاً لهذا الصنف من القادة قائلاً لهم (الطريقة الوحيدة لكي تجعل نفسك لا غنى عنك هي أن تجعل نفسك يمكن الاستغناء عنك وبعبارة أخرى، إذا كنت تستطيع الاستمرار في تفويض السلطة للأخرين ومساعدتهم على التطور حتى يصبح باستطاعتهم تولي منصبك. فانك ستصبح ذا قيمة كبيرة للمؤسسة بحيث يصبح لا غنى عنك تلك مفارقة في قانون تفويض السلطة )

الخوف من التغيير:

هناك خوف ينتاب بعض القادة من التفويض لأنه يجلب التغيير بطبيعته ، لذا بعض  القادة يخشونه لأن المرحلة المقبلة تتطلب مهارات و قدرات ومعارف ربما يعجزون عن تلبيتها ،أوربما يحمل المنظمة أعباء مالية بسبب تغيير في الأنظمة الإدارية أو استحداث تحول رقمي يترتب عليه تطوير الكوادر البشرية بدورات تدريبية؛ لذا اصبح التغيير غير مرحباً به لدى بعض القادة غير أن هذه المشاعر لا تتواكب مع كاريزما القادة الناجحين الذين يوطنون أنفسهم للتغيير بل و يجعلون أنفسهم عوامل تغيير .

الأسلوب القيادي :

بعض القادة يتخذ أسلوب المركزية في إدارة المنظمة وهذا النوع من القيادة تجعل من القائد مستبداً بالدرجة الأولى، حيث يتخذ زمام الأمور بنفسه ويديرها بلا  تفويض فلا يقبل إشراك الأخرين في  المسؤوليات المناطة به أو اتخاذ القرارات ويرى أن إشراك الأخرين يؤدي إلى التضارب في الآراء، و الاختلاف في الجهود والقدرات، و التباين في الخبرات وهذا أدعى إلى تعطل الأعمال و تعثر الإنجاز وينتهي التفويض حينئذ إلى فشل المنظمة و تخلفها . فالقائد يشعر أن المركزية في إدارة شؤون المنظمة و الاستئثار بصناعة قراراتها خير وسيلة للإنجاز بسهولة و تحقيق الأهداف بنجاح.

قلة الكفاءات:

يعاني بعض القادة من شح في الكفاءات   التي تستحق التفويض أو تتولى المهام القيادية أو تمارس بعض مسؤوليات القائد ويعزى ذلك إلى أن المرؤوس ليس لديه الثقة في ذاته، أو أنه غير مسلح بالخبرات اللازمة التي تجعل منه قائداً من الصف الثاني فتؤدي كافة تلك الاحتمالات  إلى عدم تنفيذ المهام بالشكل الجيد ومن ثم الإخفاق في تحقيق النتائج التي يتطلع القائد إلى تحقيقها عبر هذا التفويض؛ لأجل ذلك يفضل القائد أن يتولى زمام المبادرات بنفسه و إنهائها دون تفويض وهنا سينجح القائد في الوصول إلى مبتغاه و لكنه سيعزز من الاتكالية عليه و فقدان الولاء المؤسسي.

ختاما :يقول ( هوارد شولتز ) إن تسرب الكفاءات من المنظمة يعزى بالدرجة الأولى إلى تجاهل أرائهم في القرارات المصيرية ،وعدم اشراكهم في القضايا الجوهرية للمنظمة وهذا كفيل الى عدم استمراراهم معك أيها القائد .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.