لكل قيادي يبني وطنا ويصنع أثرا
أخر المقالات

القـائـد المبـادر

د/ فيصل بن عبدالله السويدي

0

 

القائد المبادر

القائد المبادر دوماً  ما يكون لديه شعور بالمسؤولية ،وملكة تمكنه من استشراف المستقبل ، و رسم سيناريوهات يقودها   في مبادرات لاقتناص الفرص و إدراك المخاطر قبل وقوعها أو كبح أسبابها قبل الوصول إلى ذروتها ،فتجده إما صانعاً للمبادرات أو مشجعاً لها وهكذا تعمل القيادة و إلا فلا.  

 

والمبادرة سمة تتجلى في أصحاب الهمم الطموحة والقرآن الكريم بين لنا الفرق بين المبادر في عمل الخير و المتخاذل قال تعالى ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير)ٌ (10) و المبادرة ليست مقتصرة على الجنس البشري بل تمتد لتشمل غيرهم فها هي نملة تدرك خطراً محدقاً على بني جنسها من النمل فتطلق مبادرتها ليكون لها الفضل بعد الله في حمايتهم من جند سليمان عليه السلام حيث تقول  (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)

 وأجمل المبادرات ما تميزت بالإبداع غير المسبوق إليه فالخليفة الراشد  عثمان بن عفان رضي الله عنه أدرك بحنكته السياسية و خبرته القيادية خطر الروم المحدق بالمسلمين فأرتأى تامين الحدود الإسلامية بحراً فكان صاحب مبادرة إنشاء أول أسطول إسلامي يحمي حدود الشام ومصر فشرع في بناء السفن البحرية التي تحمي بيضة المسلمين وقد نجحت تلك المبادرة من الخليفة الراشد فكان لذلك الاسطول البحري دور رئيس في صد زحف الاسطول البيزنطي في معركة ذات الصواري التي أنتهت بانتصار المسلمين،وهزيمة الروم شر هزيمة وبهذا الانتصار الف المسلمون ركوب البحر فسادوا العالم بحرا كما سادوه براً و الفضل يعود إلى الله ثم لتلك المبادرة التي أطلقها الخليفة الراشد فكان أثرها باق حتى يومنا هذا .

  وعندما ننتقل إلى زمننا الراهن نجد أن المبادرات تسارعت وتيرتها بتسارع تجدد الاحداث وتطور المخاطر وتعقد التحديات ، ولنأخذ علي سبيل المثال لا الحصر إحدى تلك التحديات التي تعصف بالعالم بأسره و تدخله في منعطف سياسي و اجتماعي و اقتصادي حاد وهي أزمة العطالة التي ألقت بظلالها على المملكة العربية السعودية وأصبحت هاجساً اجتماعيا و اقتصاديا حيث بلغت نسبة العطالة بين أوساط الشباب وفق تقرير هيئة الإحصاء العامة 12.5% في عام 2019 فانبرى لها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر من عام 2021 بالإعلان عن   برنامج تنمية الموارد البشرية الذي تمخض عنه 89 مبادرة فهذه المبادرات تستهدف كافة شرائح المجتمع السعودي بلا استثناء وتهدف إلى تسليح المواطن بأهم المهارات التي تلبي احتياجات سوق العمل بعد أن أضحت  الشهادة العلمية لا تسعف  الفرد السعودي للحصول على موطن قدم له في سوق العمل مالم يمتلك كوكبة من مهارات القرن الحادي والعشرين التي يتطلبها القطاع الخاص في عالم عصر المعرفة، مثل مهارات التفكير الإبداعي و تحليل البيانات و تطوير المهارات الاجتماعية و العاطفية فهذه المهارات ستمنح المواطن مزيداً من الفرص الوظيفية فجاءت هذه المبادرة من سمو ولي العهد كطوق نجاة لإنقاذ الشباب السعودي من الغرق في محيط العطالة مما أدت إلى انخفاض أعداد العطالة في الربع الثالث من عام 2022 لتصل إلى نحو 9.9%   وهو انخفاض كبير إذا ما قارنه بنسبة العطالة في عام  2019 وبهذه المبادرات يكون سمو ولي العهد   قد حقق تطلعاته و أنجز أحلامه عبر تلك المبادرات التي كانت هي الحل الناجع لأزمة أعيت الدول المتقدمة،و أدخلتها في دوامة اليأس .

ختاما:

القائد المبدع يملك  نفساً تواقة للمبادرات  ، و يمتطي صهوة التميز والإبداع في تقديم المبادرات التي تتحكم في الظروف الراهنة، و المخاطر القادمة فهو يفضل  صناعة المستقبل لا أن يكون  ضحية لمخاطره غير المتوقعة،والقادة المتميزون وحدهم من يصنع المستحيل و يترجمون الأحلام واقعاً ويتخذون  المبادرات وعاء لأحلامهم وقالباً لطموحهم ،وما ذلك إلا لان هؤلاء القادة يحملون همَ تطوير منظماتهم، و الارتقاء بها وهم لا ينتظرون الواقع ليفرض نفسه  عليهم بل يأخذون بزمام المبادرة من تلقاء أنفسهم ليجدوا ذواتهم حاضرة فيه لا مغيبة عنه، لأجل ذلك تراهم يبذلون النفس و النفيس من بناء ثقافة مؤسسية تتبنى التغيير المأمول من اجل مستقبل مشرق.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.