الأمـن والتنميـة
(قيادة ورؤية ومستقبل مشرق)
الأمن والتنمية بعدان أساسيان يتقاطعان إلى حد كبير في كثير من العناصر والأسس الداعمة لكل منهما، فالأمن بمفهومه الشامل يتطلب شروطا أساسية اقتصادية،سياسية، اجتماعية، وبيئية لابد أن تتوافر لإسائته ، وهي المجالات نفسها التي تتطلبها السياسات التنموية.وهذه العلاقة التبادلية تجعل لكلٍ من هذين البعدين شرطاً لوجود الآخر، فغياب الأمن لا يحقق التنمية وبالمقابل فإن إخفاق جهود التنمية حتما يقود إلى تهديد الأمن.تحت هذا العنوان ( الأمن والتنمية) وانطلاقاً من أبعاده جاء مؤتمر جدة في المملكة العربية السعودية كقمة جامعة بين الحليف الاستراتيجي الأول الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وكل من مصر والأردن والعراق أخذت من خلالها هذه الدول زمام المبادرة لقيادة المشهد الأمني والتنموي الإقليمي وفق مصالحها وأولوياتها ورؤيتها الأمنية وخططها التنموية لا وفق مع تفرضه التحولات الجيوسياسية والمشهد السياسي المضطرب الذي خلف أزمات في الاقتصاد والصحة والطاقة، فدول الخليج كفاعل دولي مهم وبما تملكه من ثقل اقتصادي مؤثر واستقرار سياسي راسخ تعي جيدا ركائز قوتها ومنابع تهديد أمنها وتجاوز اخفاقاتها والفرص المتاحة لها لاستغلالها وفق مفهومها الخاص للأمن والتنمية القائم على قيادة مستقبل تنمية شعوبها نحو مستقبل مشرق.
كما حرصت القمة ومن خلال كلمات قادة الدول المشاركة (دول مجلس التعاون+ مصر والأردن والعراق) على التركيز على قضايا المنطقة الأساسية والداعمة لاستقرارها وطرح المبادرات الخاصة بها في مجال السلام والتنمية وعلى رأس هذه القضايا حل القضية الفلسطينية وفق المبادرة العربية، ودعم استقرار اليمن وسوريا وليبيا ولبنان والتوازن مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية واحترام سيادة الدول وخلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وأهمية العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية.
جاءت كلمة دولة الكويت التي ألقاها ممثل عن صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ولي العهد سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح معبرةً عن السياسة الكويتية الراسخة منذ عقود على مبادئ وأسس داعمة للأمن والاستقرار والتنمية متوازنة في جميع أبعادها الإقليمية والعربية والدولية، متميزة في دورها الدبلوماسي والإنساني والذي أشاد به الرئيس الأمريكي جو بايدن في لقائه مع سمو ولي العهد على هامش قمة جدة ودورها البناء في خفض التوترات الإقليمية وبناء الثقة. وأهم ركائز ومضامين كلمة الكويت
البعد الإقليمي:جاءت كلمة سموه مؤكدة على أهمية مجلس التعاون الخليجي ككيان أخوي متين يقوم على الرؤية والعمل المشترك ونموذج راق في الاتفاق والاختلاف دون الخلاف الأمر الذي يدل على خصوصية مجلس التعاون الخليجي في الوجدان الكويتي والحرص على بقائه ودعم استقراره.
العلاقة مع إيران كانت حاضرة في كلمة سموه حيث دعا إلى تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للإسهام في جعل منطقة الخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل.
البعد العربي:القضية الفلسطينية كانت على رأس القضايا العربية في كلمة الكويت والدعوة لحل شامل وسلام دائم وفق المبادرة العربية والحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والدعوة لمعالجة الأوضاع المأساوية في كل من العراق وسوريا وليبيا ولبنان.
كما كان لافتا في كلمة الكويت الإشارة إلى أهمية الحضور العربي في هذه القمة المتمثل في مصر والأردن والعراق في دلالة على مدى تمسك الكويت بعمقها العربي والإسلامي .
البعد الدولي:فيما يتعلق بالشأن الدولي جاء التأكيد على موقف الكويت المبدئي القائم على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام القانون وسيادة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية وعدم التهديد باستخدام القوة أو التهديد بهما ، وهي ركائز أساسية قامت عليها السياسة الكويتية الخارجية منذ عقود أكسبتها احتراماً عالمياً وعلاقات وثيقة مع الدول وعززت من دورها كوسيط موثوق ومُقدر في حل العديد من النزاعات.
البعد الإنساني :شدد سمو ولي العهد في كلمة الكويت على الدفع بالسلموالعمل الإنساني والتعاون مع الاشقاء والأصدقاء لنبذ الصراعات وتجنب الخلافات لمواجهة الأخطار المحيطة والتطلع لعالم يسوده الأمن والأمان.
قضايا وكلمات لافته في كلمات القادة
المملكة العربية السعودية:في كلمة المملكة العربية السعودية التي ألقاها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز كان لموضوع الطاقة والاقتصاد النصيب الأكبر حيث دعا إلى تبني نهج متوازن وانتقال متدرج ومسئول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة والبعد عن تبني سياسات غير واقعية من خلال إقصاء مصادر طاقة رئيسية لما لها من أثر في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة وسلاسل الإمداد العالمية والتي ستؤدي في السنوات القادمة إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة؛ بما في ذلك تزايد الفقر والمجاعات وتصاعد الجرائم والتطرف والإرهاب. مشيراً إلى أن الأوضاع الجيوسياسية تستدعي مزيدًا من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي. ومجابهة التحديات نحو تحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
دولة قطر: في كلمة دولة قطر التي طغى عليها الطابع السياسي بامتياز والتي ألقاها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كان من اللافت الإشارة إلى أهمية الرأي العام العربي في معرض حديثه عن التعنت الإسرائيلي في قوله “لا يجوز أن يكون دور العرب اقتراح التسويات ودور إسرائيل رفضها والزيادة في التعنت كلما قدّم العرب تنازلات وكما لإسرائيل رأياَ عاماَ فإن لدينا أيضاً في العالم العربي رأينا العام” مشدداً في الوقت ذاته على أهمية التمسك بالمبادرات العربية “لا يصح أن نتخلى عن مبادراتنا لمجرد أن إسرائيل ترفضها“
كما كان لافتا أيضا استخدام عبارات مثل النظام التوافقي، المحاصصة، الشراكة في التنظيم السياسي، حصر أدوات العنف في معرض حديثة وتشخيصة للأزمات التي تعاني منها بعض الدول في العالم العربي (سوريا واليمن وليبيا ولبنان والعراق).
جمهورية مصر العربية:في كلمة مصر التي ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان بارزا فيها الإشارة إلى الحروبالأهلية وأثرها في إرهاق شعوب المنطقة واستنفاذ مواردها وثرواتها وإتاحة المجال لبعض القوى التدخل في شئونها الداخلية وما تمخضت عنه هذه الحروب من استدعاء لنزاعات طائفية وأثنية وعرقية وقبلية مما تسب في انهيار أسس الدولة الوطنية الحديثة، داعيا إلى تعزيز دور الدولة الوطنية ذات الهوية الجامعة ودعم ركائز مؤسساتها الدستورية، وللأهمية الدولية لقضية تغير المناخ لفت الرئيس السيس إلىاستضافة مصر القمة العالمية للمناخ COP ٢٧ لتوحيد جهود مواجهة تغير المناخ وتحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية خضراء أكثر استدامة لصالح شعوب الأرض جميعًا.
المملكة الأردنية الهاشمية:في كلمة الأردن التي ألقاها جلالة الملك عبد الله بن الحسين كان هناك إشارة إلى أهمية التكامل الأقليمي في مجالات الأمن الغذائي والطاقة والنقل والمياه، والتشديد على أهمية العمل التعاوني التشاركي في كافة المجالات.
مملكة البحرين:في كلمة البحرين التي ألقاها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة كانت الإشارة البارزة إلى أهمية الحفاظ على الأبعاد والقيم الدينية والثقافية للدول وصيانة نهجها الحضاري في احترام الآخر والتسامح والتعايش السلمي.
جمهورية العراق:في كلمة جمهورية العراق التي ألقاها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كان لافتا اقتراح العراق إنشاء بنك الشرق الأوسط للتنمية والتكامل بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن ويهتم البنك بالتنمية الأقليمية المستدامة عبر تمويل المشاريع في البنية التحتية التي من شأنها أن تساعد في ربط اقتصادات المنطقة
اختتمت قمة جدة (الأمن والتنمية) ببيان خليجي أمريكي مشترك يمكن قراءته من خلال النتائج والرسائل والدلالات.
نتائج القمة:النتائج وهي ما أبرز ما عبر عنه البيان الختامي للقمة:
الرسائل:
ما بين سطور كلمات قادة الدول المشاركة وبيانها الختامي خرجت قمة جدة برسائل عدة:
1- ثقافة ولغة جديدة وقواعد مختلفة أكدت بشكل واضح على الحضور العربي والتكامل الخليجي في القضايا الإقليمية والدولية.
2-الثقل الاقتصادي لدول الخليج كان عاملاً مؤثراَ إلى حد كبير برهنت أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية في أوربا على قوته وأثره البالغ في المشهد العالمي.
3-تشخيص قضايا المنطقة بشكل دقيق وعرض الحلول والبدائل والمبادرات توافق إلى حد كبير مع محوري القمة الأمن والتنمية فالإخفاق في أحدهما يمثل إخفاقاَ في الآخر.
4-التمسك بالقيم الخليجية والعربية والدعوة لاحترامها.
5–سياسة التوازن التي تنتهجها دول الخليج في ظل تعدد المحاور والتحالفات على الساحة السياسية أضافت لها قوة سياسية مؤثرة بعيده عن أي استقطاب من هذه المحاور.
الدلالات:
ملخص الموقف الامريكي
‘So let me conclude by summing all this up in one sentence: The United States is invested in building a positive future in the region, in partnership with all of you, and the United States is not going anywhere.
This is a table full of problem solvers. there’s a lot of good we can do if we do it together.’
“لذا اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة : الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي في هذه المنطقة بالشراكة معكم جميعاً، والولايات المتحدة لن تذهب الى أي مكان. هذه الطاولة ممتلئة بالحلول ومن الممكن أن نفعل الكثير معا.”
بهذه العبارة اختتم الرئيس الامريكي جو بايدن كلمتة في قمة جدة الأمن والتنمية ملخصا الموقف الامريكي بثلاث رسائل مهمه تقاطعت بشكل كبير مع مضامين القمة ببعديها الامني والتنموي:
وبالمقابل نجحت القمة بإيصال رسالة مفادها أن منطقة الخليج هي من الأهمية بمكان لتكون منصة إقليمية أساسية في مناقشة الملفات والقضايا الدولية لما لها من دور هام وحيوي في خلق التوازنات العالمية.