لكل قيادي يبني وطنا ويصنع أثرا
أخر المقالات

قائد التغيير في عصر المتغيرات

د/ فيصل بن عبدالله السويدي (أكاديمي متخصص في القيادة والتخطيط الإستراتيجي)

0

 قائد التغيير في عصر المتغيرات

 لم يعد التغيير ترفاً في ظل عصر العولمة والتقدم التكنلوجي والانفجار المعرفي، فهذه العوامل أشبه ما تكون بالرياح التي تأخذ مجراها، من استعد لها سيركب الموجة ويستفيد من أعاصيرها، ومن تخاذل عنها ستقتلعه من الجذور لينزوي في ظل التاريخ ،  وقد أكد ذلك (جاك ويلش) حينما قال (تغير قبل أن تجبر على التغيير)

 إن التغيير رحلة لها نقطة انطلاقة ومرفئ نهاية، وليس كل قائد يجيد الإبحار والتجديف في محيط التغيير؛ فالتغيير له قادة  ماهرون تخطيطاً و تنفيذاً و ابتكاراً، وما سوى ذاك فكافة المحاولات مصيرها الفشل ، يقول عرَاب التغيير (جون كوتر)ن القيام بالتغيير في أي منظمة يتطلب في المقام الأول وقبل كل شيء قادة يفهمون عملية تغيير العمل وقادرين على تنفيذها،فالقادة فقط هم الذين يستطعون دفع الأفراد للقيام بكل ما يلزم من أفعال وإجراءات لتغيير السلوك بأي طريقة والقيادة وحدة هي التي يتسنى لها تثبيت التغيير بغرسه و ترسيخه في الثقافة الأساسية للمنظمة ) هناك قادة قرروا التغيير في منظماتهم، و لكن أعوزتهم المعارف و المهارات والخبرة فكان مالهم الفشل و قد أثبتت دراسة أجرتها جامعة هارفرد أن نسبة 70% من المنظمات فشلت في مشاريع التغيير،وهذا النسبة تمثل ثلثي المنظمات على مستوى العالم كان قدرها في التغيير الفشل والسبب يعزى بالدرجة الأولى إلى افتقارها لعدة عوامل نجاح التغيير والمتمثلة في الأتي :

أولا: الإحاطة بمعوقات التغيير: لابد لقائد  التغيير أن يدرس المعوقات التي تقف حائلاً دون التغيير وتجهض مشاريعه وبرامجه ومبادراته،فهناك تساؤلات تفرض نفسها على قائد التغيير، وبذرة إجابتها هي  حلول لتلك المعوقات وأهم هذه التساؤلات: هل هناك نقطة بداية لانطلاق مشروع التغيير و نقطة نهاية له؟، هل الرؤية والأهداف والاستراتيجيات و حوكمة المنظمة و إعادة الهياكلالوظيفية جاهزة وقيد التنفيذ؟ هل المشاريع و المبادرات والبرامج وجهت كافة لخدمة مشروع التغيير وتحقيقه؟ هل الميزانية كافية لمتطلبات مشاريع التغيير وتنفيذ مبادراته؟ هل القائد لديه القدرة في تحديد نموذج التغيير الذي يلبي طبيعة المنظمة؟ إذ لابد لقائد التغيير أن يضع هذه الأسئلة نصب عينيه و يعرضها على طاولات النقاشمع فريق التغيير لتكون تلك الأسئلة خارطة طريق يهتدي بها في عالم التغيير.

ثانيا: المساواة بين الجانب المادي و الجانب الإنساني في إدارة عملية التغيير أشار كل من بنكر و يكفيلد إلى أن سبب فشل كثير من مشاريع التغيير يعزى بالدرجة الأولى إلى اهتمام قادة التغيير بالجانب المادي المرتبط بـ(الرؤية، الرسالة،الاستراتيجيات) وتجاهل   الجانب الإنساني المرتبط بمنسوبي المنظمة و الذي يعزز من جانب منحهم حق الاعتبار،و تعزيز دورهم في مشروع التغيير عبر  (الوعي، الحوار ، الإقناع، الحوافز،المشاركة) إذ لابد لقائد التغيير أن يقف على مسافة واحدة من الجانب المادي و الإنساني حتى يحقق نجاحاً باهراً في بناء رؤية تلبي تطلعات المنظمة و كوادر بشرية مشاركة في مشروع التغيير ومسلحة بأمهر المهارات و المعارف لتتماشي مع مرحلة التغيير وتبلور مشاريعه ومبادراته إلى أرض الواقع.  

ثالثاً: إنموذج التغيير: إن جهل القائد بنماذج التغيير يعد أكبر عامل للفشل في تحقيق التغيير الذي يرومه؛ لذاعلى القائد أن يلم بأهم هذه النماذج التي تصل إلى زهاء عشرة نماذج و أهمها ثلاث نماذج هي نموذج اليون للتغيير و نموذج أدكار و نموذج جون كوتر وأكثر هذه النماذج شيوعاً و استخداماً في المنظمات العالمية نموذج جون كوتر؛ وهو نموذج يشتمل على عدة خطوات نحو التغيير الخطوة الأولى: أن يشعر القائد بوجود حاجة ملحة للتغيير ناجمة عن أزمة مالية أو تدني أداء المرؤوسين. الخطوة الثانية وهي تكوين تحالف قوي يحمل هاجس التغيير، و يتطلع إلى التطوير.الخطوة الثالثة: بناء الرؤية التي ستنطلق منها استراتيجيات التغيير؛ فيشترط كوتر في الرؤية أن تكون قابلة للتخيل تنقل المستقبل . الخطوة الرابعة: نشر الرؤية وتعميمها بين منسوبي المنظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و أهم من ذلك كله ربط القرارات و المشاريع و البرامج بالرؤية.الخطوة الخامسة:إزالة العوائق التي تقف أمام استراتيجية التغيير وتكون عبر  تطوير مهارات منسوبي المنظمة ليكونوا عند مستوى الطموح ووفق ما تطلبه مرحلة التغيير.الخطوة السادسة: إعلان مكاسب قصيرة وتكون عبر أهداف قصيرة الأجل يقيس قائد التغيير مدى تحقيقهاوالمكاسب التي جنتها المنظمة بفضل التغيير. الخطوة الأخيرة:ترسيخ منهجية التغيير وتثبيتها كجزء من ثقافة المنظمة وتكون عبرتطوير الأنظمة و السياسات لتتماشى مع  مرحلة التغيير و ربط آلية  تقييم الأداء، والترقيات، و المكافأت بمدى استجابة الموظف للتغيير وحرصه على المساهمة في تفعيل المبادرات التي تخدم عجلة التغير. هذه الخطوات التي رسمها جون كوتر في إنموذجه قد جُربت في كثير من المنظمات التي تنشد التغيير وحققت نجاحا باهراً.

ختاماً:
إن التغيير رحلة شاقة لأنها تنطلق من تغيير سلوك الأفراد وقناعتهم وبها تتغير ثقافة المؤسسة  وما يندرج تحتها من رؤية وأنظمة وسياسات وبعدها يكون التغيير حراكاً مطلوباً ومثمراً ، ولكن أهم من هذا وذاك استعداد القائد الملهم بعملية التغيير و إمكانياته في إدارة عوامل التغيير التي أشرتُ لها انفاً باحترافية واقتدار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.