التعرف على القيم بمفهومها العميق، تمكّن الإنسان المسلم من إدراك الفارق الكبير بين منظومة قيم الإسلام الخالدة والقيم الغربية الفانية؛ فيصبح على دراية بما يحاك له من تدابير للتشكيك في قيمه، ويكون على علمٍ ومعرفة تُمكنه من الوقوف في وجه كل التحديات التي تسعى إلى التهميش أو العبث بقيمنا الإسلامية، وعند الحديث عن القيم الإسلامية ومقارنتها بغيرها من القيم، يجب التأكيد على أننا نتحدث عن حق وباطل ، حق يستمد صحته وصوابه من أوامر ربانية عليا، وضوابط شرعية تحدد سلوك الإنسان وفق تلك القيم، وباطل يؤكد على صحة بطلانه تشريعات محرّفة وأهواء تدعو إلى التحرر دون أي ضوابط عقدية أو تشريعية؛ فقيم الإسلام تشمل الدين كله بأوامره ونواهيه، وتربط المسلم بدنياه وآخرته، ومن يشكك في هذا فعليه أن يقف وقفة صدق مع نفسه ويصحح مفاهيمه، ويراجع مواقفه من قيم الإسلام؛ قال تعالى: “*قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ*”. الأنعام: ١٦٢-١٦٣.
عندما نقرأ أو نسمع مصطلح “قيم الإسلام” يتبادر إلى الذهن مباشرة ارتباطها بمرجعيتها الدينية، أمّا بالنسبة لمنظومة القيم الغربية فتركيبة مجتمعاتهم المعقدة وتشكيلاتها العقدية المتعددة، واختلاف ألسنتهم، وليبراليتهم المتحررة من الضوابط العقدية والشرعية، وعلمانيتهم غير الدينة التي تفصل بين الدين والدولة، ونصرانيتهم ويهوديتهم المحرفة؛ هي التي تشكل مرجعية منظومة القيم لديهم، وأغلب قيمهم إذا لم يكن جميعها تميل إلى الأهواء، وإشباع الرغبات الفطرية والغريزية، وتحقيق مصالحهم الدنيوية بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ حتى لو أدى ذلك إلى فناء البشرية، والتاريخ خير شاهد على هذا، ويرون أن هذه القيم تحقق أهدافهم وتتناسب مع واقع وطبيعة مجتمعاتهم، ولذلك لم يتركوا وسيلة من وسائل المكر والخداع والزيف إلا سلكوها؛ في محاولة منهم لفرضها ولو بالإكراه على بقية مجتمعات العالم عمومًا، والمجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص، ومن هذا الفهم للقيم نستطيع القول أن الاختلاف بين “منظومة القيم الإسلامية” و “منظومة القيم الغربية“؛ ينبع في الأصل من اختلاف المرجعيات، والمعتقدات، والتشريعات التي تنطلق منها كل منظومة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تجتمع أو تقترب أو تندمج بعضها ببعض؛ فالشرق شرق والغرب غرب، ربما يكون هناك تقارب وانجذاب شكلي تحكمه بعض المصالح الدنيوية؛ وهذا أمر طبيعي، لكن يبقى التنافر بين منظومتي القيم؛ هو السائد والمسيطر والمستمر لكونه صراع بين الحق والباطل، وسُنة ماضية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
كما أن البعض يحاول إيجاد روابط مشتركة وقيم توافقية لجعل حياة الجميع أكثر تعايشًا واستقرارًا، وأكثر تصالحًا كما يدعون، ومع كل ذلك يبقى الاختلاف كما هو قائم ومستمر منذ أكثر من 1400 سنة؛ لأن القواعد التي تؤسس لكل منظومة قيمية، تختلف عن الأخرى اختلافا جذريًا، وبينهما بُعد المشرقين، ومن يقول أو يحاول توحيد الجميع ووضع القيم في بوتقة واحدة، فهو كمن يحاول أن (يُدخل الجمل في سم الخياط)؛ فالغرب بحكم قوتهم الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والإعلامية، فهم يستخدمون كل مايحقق نشر قيمهم بواسطة تلك الوسائل المهيمنة، ويصفوها بالقيم العالمية حتى يكون لها مشروعية أكبر، وقبولًا لدى المجتمعات، وتمتد على أكبر مساحة من الكرة الأرضية، ووسائل الإعلام من أكثر الميادين نشاطًا في الترويج لمنظومة القيم الغربية التحرُرية داخل المجتمعات الإسلامية، وانتشار قيمهم داخل مجتمعاتنا بشكل ملفت وملحوظ؛ ليس بسبب ضعف منظومة القيم الإسلامية، ولكن بسبب وجود محامين فاشلين وراء قيمنا الربانية العادلة، وأيضًا وجود ماكينة إعلامية غربية ضخمة، وكوادر بشرية تجيد الكذب والتضليل، بعضهم من بني جلدتنا يعملون بأسلوب منظم ومدروس في كل المجالات داخل مجتمعات المسلمين، وهم من يشكك في قيم الإسلام، ويمهدون الطريق إلى تحميل المجتمعات المسلمة قيم الغرب الساقطة بكل مافيها من انحلال وانسلاخ، ( ومركز تكوين ) سيء الذكر ليس عنا ببعيد.
منظومة القيم الإسلامية في وقتنا الحاضر كالجدار الذي يريد أن ينقض؛ فاجعل من نفسك ذلك الرجل الصالح في إقامة جدار أمتك، حتى تقوى ويشتد عودها، وتستخرج تلك الكنوز القيميّة النفيسة، وحري بكل مسلم غيور أن يعتز بقيمه وينافح عنها، وأن يكون لبنة في ذلك الجدار الذي يريد أن ينقض.
قال تعالى :
{ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} النساء:٨٩
هذا، والله من وراء القصد.
أ . محمد الجلمود الغامدي