{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}
أ/ محمـد الجلمـود الغامـدي (مهتـم بالمبـادئ والقيـم)
قيـادة وقيـم
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا }
- ذكر الله -سبحانه وتعالى- بعض صفات عباده في سورة الفرقان، ومن أوائل تلك الصفات {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، من الملاحظ هنا -والله أعلم- أن الله سبحانه وتعالى لم يقل عباد الرحمن الذين يصلّون أو يصومون أو الذين يجاهدون في ميادين الحياة طلباً للرّزق أو في جبهات القتال، لأن هذه الصفات موجودة لديهم ابتداءً .. ولكنه قال جل في علاه: الذين ” *يمشون* ” ومن المعروف أن المشي هو الانتقال الإرادي من مكان إلى آخر سيراً على الأقدام، فطريقة مشيتهم.. متواضعة تغشاها السكينة، والوقار، والاطمئنان، والاتزان؛ فالقيم تظهر في حنايا أعمالهم، وأقوالهم، وحركاتهم، وطريقة مشيتهم بكل وضوح “تعرفهم بسيماهم”.
- عباد الرحمن أصحاب قيم ربانية عالية مفصلة في أواخر السورة؛ لذلك أجدني دوماً أجِلّ وأحترم أصحاب تلك القيم الرفيعة التي يمشون بها هوناً، وتصحبهم أين ما وجدوا، تلك القيم وغيرها من القيم المذكورة في [سور متفرقة من القرآن الكريم] عندما تكون جزءاً لا يتجزأ من التفكير والسلوك؛ فإنها ترتقي بأصحابها عن الدنيئة، وتبعدهم عن الخوض في سفاسف الأمور ومما لا فائدة منه “وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا”، وتسمو بهم إلى المعالي، وتشكل لديهم حائطاً منيعاً يحول بينهم وبين ما لا يليق بهم، وتضعهم في المكان الصحيح واللائق بهم، وتمنعهم من مغبّة الوقوع في الكِبر، والنّفاق، والرياء، والغفلة، والهوى.
- وأصحاب القيم الراقية والراسخة، هم أناس مرتاحو الضمير، متصالحون مع أنفسهم، ومتسامحون مع غيرهم، لأنهم يتعاملون مع من حولهم من خلال ما يحملونه في داخلهم من قيم ربانية، فإذا انعدمت تلك القيم وغيرها من القيم الأخرى تصبح الذات فارغةً جوفاء كالقشة تتلقفها الريح حيث شاءت، وتأخذها معها حيث اتجهت، وحينها تسير بلا هدى هائمة على وجهها في بيداء الحياة، ومن أول وهله تلحظ شروداً على منعدمي القيم، وتيهاً وضياعاً يبرز على تقاسيم وجوههم، واضطراباً وتثاقلاً يزداد في مشيتهم، وتناقضاً وغموضاً يتضاعف في سلوكهم، ورعونةً وطيشاً يسكن في تصرفاتهم؛ فالإنسان بلا قيم…لا يمكن الاعتماد عليه، ولا الوثوق به، ولا يمكن توقع ردود أفعاله، إذ لا يملك أسساً ثابتة يستند إليها، ولا أرضاً صلبةً يقف عليها، فهو قبيح السريرة، قليل المروءة، فاسد الضمير، ليس لديه وازع قِيمي ولا أخلاقي يمنعه من التصرفات الحمقاء.
لذا كان أول مايجب علينا فعله تجاه أنفسنا؛ تنمية تلك القيم النبيلة -الموصوف بها عباد الرحمن-، وترسيخها في أعماقنا؛ لتصبح سلوكاً مستداماً يحكم تحركاتنا، وأقوالنا، وأفعالنا؛ لأنها هي الكنز الحقيقي الذي يبقى، وهي الثروة الحقيقية التي نحملها وتسير معنا أينما توجهنا، وهي النور الذي يضيء لنا طريقنا ونحن نمشي في هذه الحياة المليئة بالصوارف والمشتتات، فحريّ بالمسلم أن يتمثل بقيم عباد الرحمن التي وصفهم الله بها وأن تكون جزءاً لا يتجزأ من حياته، يحملها بين جنباته حيثما حل وارتحل.